يقسم الخالق بأحداث كونية عظيمة فيقول سبحانه عزَّ من قائل : { وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ } { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى } يقسم بالسماء والطارق , ومن يستمع إلى هذا القسم لن يعرف لأول وهلة من هو ؟ أو ما المقصود بالطارق ؟ ولذلك عرفنا العليّ القدير بأنه نجم ثاقب . فكيف يكون النجم طارقاً وثاقباً ؟ وهل هناك تفسير علمي لذلك ؟ لقد درج المفسرون على تفسير أشعة النجم بأنها ثاقبة نافذة أما صفة الطرق فقلما تعرض لها أحد . والقسم الثاني يخص بظاهرة فلكية أخرى وهي ظاهرة النجم الهاوي.
وهنا لا بد أن نفرق بين هذه الظاهرة وظاهرة الشهاب (Meteor) الساقط التي تعد ظاهرة يومية لكثرة حدوثها. فالشهب تدخل يوميا في الغلاف الجوي ثم تحترق عندما ترتفع درجة حرارتها لاحتكاكها بالهواء الجوي وبعضها يسقط على الأرض . ولو أراد الخالق أن يقسم بها لأقسم إلا أنه جاء ذكر الشهب في أكثر من مكان في القرآن مثل {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } و{ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} فلم يقسم - سبحانه- بظاهرة الشهاب الساقط وأقسم بظاهرة النجم الهاوي، لماذا ؟؟.
النجوم النيوترونية تزداد كتلتها عن كتلة الشمس بما يقارب 1.4 بداية عندما يبدأ النجم بالانهيار على نفسه فينكمش بسرعه ويزيد الضغط على ذرات مواده فتتحطم الذرات ويتكون المائع الإلكتروني ويزداد سمكه فيبقى عاجزا عن تحمل الضغط الناتج من ثقل النجم وجاذبيته وتكون النتيجة أن تسحق جاذبية النجم "المائع الإلكتروني " كما سحقت من قبل قشرة الذرة ويستمر انهيار العملاق الأحمر على نفسه .. فتلتصق الالكترونات بالبروتينات ثم تتحد معها مكونة نيوترونات جديدة، وتبدأ طبقات النجم وهي تنهار في التطلع إلى منقذ ينقذها من براثن هذا الوحش المسمى بقوة ثقل النجم والذي يسحق كل ما يجده أمامه وفي النهاية تتحد كل الالكترونات بالبروتينات فيصبح النجم عبارة عن نيوترونات منضغطة على بعضها بدون وجود أي فراغ فتصل كثافة النجم إلى رقم قياسي يصعب تصوره ويتقلص العملاق الأحمر إلى ما يسمى بالنجم النيوتروني ( Pulsars ) فــكرة من المادة النيوترونية في حجم كرة القدم يبلغ وزنها خمسين ألف بليون من الأطنان فإذا وضعت هذه الكرة على الأرض أو على أي جرم سماوي آخر فلن يتحمل سطحه هذا الوزن الهائل فتسقط الكرة خلال الأرض أو خلال الجرم السماوي تاركا وراءه ثقبا يتناسب مع حجمه . وقصة اكتشاف النجم النيوتروني قصة طريفة ففي سنة 1968م التقطت طالبة أمريكية إشارات لاسلكية من خارج الأرض بواسطة جهاز جديد يسمى بالتلسكوب اللاسلكي أو المذياعي ( Radio telescope ) وهو جهاز يلتقط الإشارات اللاسلكية من أعماق السماء ومن مسافات تقدر بملايين السنين فقد تمكن الفلكيون في أوائل السبعينيات من رصد عدة نجوم كلها تشترك في خاصية إرسال إشارات لاسلكية منتظمة وعلى درجة كبيرة من الدقة فالإشارات تصل على صورة متقطعة : بيب ... بيب ... بيب وتستمر كل إشارة منها كسورا من الثانية وتتكرر كل ثانية أو أكثر ومن أطلق على النجوم التي تصدر هذه الإشارات اسم النجوم النابضة النجم الطارق الثاقب آية من آيات الله العظيمة يقسم الله -سبحانه- بها {وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ } فالطارق هو جرم سماوي له صفتان أخريان وهما النجم والثاقب ولو قارنا بين تلك الخواص وأي جرم سماوي لوجدنا أن النجم النيوتروني يستوفي هذه الخواص نجم و طارق و ثاقب .. له نبضات وطرقات منتظمة فالطارق يصدر طرقات منتظمة متقطعة تك .. تك .. تك، تشابه تماما تلك البيبات التي نقلها لنا اللاسلكي والتي كان مصدرها النجم النيوتروني وقد توصل العلماء إلى أن النجم النيوتروني عقب مولد له نبضات سريعة لسرعة دورانه وسرعة طاقته وأن النجم النيوتروني العجوز له إشارات بطيئة على فترات أطول وذلك عندما تقل طاقته وتنقص سرعة دورانه فسبحان الله العظيم حين خص هذا النجم بالثاقب وأقسم به فمن عظمة القسم ندرك عظمة المقسوم به فكثافة النجم الثاقب النيوتروني أعلى كثافة معروفة للمادة ووزنه يزيد عن وزن الكرة الأرضية برغم صغير حجمه فهو ثاقب.
والآن فلنتصور ماذا يحدث للأرض أو لأي جرم سماوي آخر إذا وضع هذا النجم عليه أو اصطدم به فلن تصمد أمامه أي الأجرام كانت ولا حتى الشمس والسبب أنه ذو كثافة مهولة .. وقد قدر عدد النجوم النيوترونية في مجرتنا بمائة ألف نجم ومن الطبيعي أن تحتوي بلايين المجرات الأخرى على مئات الآلاف من النجوم النيوترونية الطارقة الثاقبة فالسماء إذن تمتلئ بها ومن هنا جاء القسم ليؤكد سبحانه بهذا القسم { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } فكل نفس موكل أمرها لحافظ يراقبها ويحصي عليها ويحفظ عنها .. فسبحان الله هناك أوجه التشابه بين الحافظ وبين الطارق نجد صورة حية جديدة من الإعجاز القرآني فوصف النجم النيوتروني الذي لم يكتشف إلا حديثا بهذه الدقة بكلمات قليلة تعد على الأصابع اليد الواحدة أنه نجم طارق ثاقب لا يمكن أن تصدر إلا من خالق هذا الكون فلو حاول الإنسان مهما بلغ علمه وإدراكه وصف أو حتى تعريف ظاهرة النجم النيوتروني لاحتاج لأسطر وصفحات لتعريف هذا المخلوق .. وبعد أن يخبرنا المولى سبحانه عن هذا النجم ويقسم به يعود بنا إلى النفس البشرية ويذكرنا بالحافظ الذي وكله الحفيظ الرقيب على كل نفس يحصي مالها وما عليها حتى نبضها فالتشابه بين الحافظ الذي يحصى كل صغيرة وكبيرة في دقة متناهية وبين الطارق الذي تطوى دقاته أقطار السماء لتصل إلينا في دقة متناهية , والتشابه بين الحافظ الرقيب الذي لا تخفى عليه خافية من خبايا النفس البشرية ولا سر من أسرارها وبين الثاقب الذي لا تستطيع أي مادة أو أي نجمة مهما بلغ حجمها والسماء وطارقها إنما هو الواحد القهار الذي لا تخفى عليه خافية والذي يحيط علمه بكل صغيرة وكبيرة ...
فسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين